كنت قد بينت في الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن فضائل الصحابة الكرام عموما في القرآن والسنة، وتباعا سأبدأ في هذه الحلقة بذكر فضائل مخصوصة ببعض الصحابة، وأرجو من الإخوة إبداء آرائهم ومقترحاتهم عسى الله أن ينفعنا جميعا ويوفقنا لما فيه فلاحنا وصلاحنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. فضائل خاصة ببعض الصحابة الكرام: 1- فضائل السابقين الأولين: مما ورد في فضلهم قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتهم الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (سورة التوبة الآية رقم 100). والمراد بهم كما قال شيخ الإسلام: "هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم". وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التوبة آية / 19-22 ). وقد هاجر الصحابة رضوان الله عنهم وجاهدوا في سبيل الله تعالى بأموالهم وأنفسهم فهم أول من يدخل في هذه البشارة دخولا أوليا. ومما ورد في فضلهم قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (سورة النحل آية/41 ). قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون". وفي فضلهم قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (سورة الحديد آية/10). وللعلماء في المراد بالفتح هنا قولان أحدهما أنه فتح مكة والآخر أنه صلح الحديبية ورجح الطبري رحمه الله القول الآخير. وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سورة الحشر آية/. يقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآية: يقول تعالى مبيناً حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم وهؤلاء هم سادات المهاجرين". إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي فيها بيان فضل الذين سبقوا إلى إلإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا فرضي الله عن الصحابة أجمعين. ومما ورد في السنة من فضائلهم قوله صلى الله عليه وسلم حينما سأله الحبر اليهودي عمن هو أول الناس إجازة على الصراط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم فقراء المهاجرين". أخرجه مسلم. وأخرج البخاري عن مجاشع بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة قال: "ذهب أهل الهجرة بما فيها".
2- فضائل الأنصار: مما ورد في فضائل الأنصار قوله تعالى: قال تعالى في ثنائه عليهم بالأخلاق الفاضلة النبيلة التي اتسموا بها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة الحشر آية/9). عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله قال: بل سمانا الله كنا ندخل على أنس فيحدثنا مناقب الأنصار ومشاهدهم ويقبل علي أو على رجل من الأزد فيقول فعل قومك يوم كذا وكذا كذا وكذا". وعن أنس رضي الله عنه قال: قالت الأنصار: يوم فتح مكة ـ وأعطى قريشاً ـ: والله إن هذا لهو العجب أن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار، قال فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟" وكانوا لا يكذبون فقالوا: هو الذي بلغك قال: "أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار" فقال أبو هريرة ما ظلم ـ بأبي وأمي ـ آووه ونصروه أو كلمة أخرى. والثلاثة أخرجها البخاري.
المصدر طريق الاسلام </td></tr><tr><td style="font-size: 16px; " align="center"> </td></tr></table></td></tr></table>